Page images
PDF
EPUB

و اخبروا به من عجائبها . ويوردون كل فن من تلك الفنون على حسب ما

به

تقتضيه المحادثة . وتبعثه المفاوضة . فاحفظ عليهم ذلك في الحال . وأتخذ وأستفيده في أحوال . فلما تطاولت السنون ومات المشيخة الذين كانوا

مادة هذا الفن ولم يبق من نظرائهم إلا اليسير الذين إن مات ولم يحفظ عنه ما يحكيه مات بموته ما يرويه ووجدت أخلاق ملوكنا ورؤسائنا لا تأتى من الفضل بمثل ما يحتوى عليه تلك الاخبار من النبل وتستنى بما تشاهد من نظيره . عن حفظ ماسلف وتحبيره . بل هي مضادة لما تدل عليه تلك الحكايات من أخلاق المتقدمين وضرائبهم وطبائعهم ومذاهبهم حتى ان من بقى من هؤلاء الشيوخ إذا ذكر ما يحفظه من هذا الجنس ما بحضرة أرباب الدولة ورؤساء الوقت خاصة ما كان منه متعلقاً بالكرم . ودالاً على حسن الشيم . ومتضمناً ذكر وفور النهم . وكبر الهم . وسمـة الأنفس وغضارة الزمان ومكارم الأخلاق كذبوا به ودفعوه وجعلوه في أقسام الباطل واستبعدوه ضعفاً عن إتيان مثله واستعظاماً منهم لصغير ما وصلوا إليه بالاضافة إلى كبير ما احتوى أولئك عليه وقصوراً عن أن تنتج خواطرهم أمثال تلك الفضائل والخصال . أو يتسع صدورهم لفعل ما يقارب تلك المكارم والأفعال . هذا مع أن في زمانهم هذا من العلماء المحتسبين في التعليم . والأدباء المنتصبين للتأديب والتفهيم . وأهل الفضل والبراعة في كل علم وأدب وجد وهزل وصناعة من يتقدم بجودة الخاطر. وحسن الباطن والظاهـر . وشدة الحذق فيما يتعاطاه . والتبريز فيما يعانيه ويتولاه . كثيراً ممن تقدمه في الزمان . وسبقه بالمولد في ذلك الاوان .

ويقتصر منهم على الاكرام دون الأموال . وتضاء الحاجة دون المغارم والاثقال . فما يرفعون به رأساً . ولا ينظرون إليه إلا اختلاساً . لفساد هذا العصر . وتباعد حكمه من ذلك الدهر . وأن موجبات الطباع فيه متغيرة منتقلة . والسنن دارسة متبدلة . والرغبة في العلم معدومة . والهمم باطلة مفقودة . والاشتغال من العامة بالمعاش قاطع. ومن الرؤساء بلذاتهم البهيمية قانع . فنحن حاصلون فيما رونى من الخبر أنه لا يزداد الزمان إلا صعوبة ولا الناس إلا شدة ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق . وما أحسن ما أنشدني أبو الطيب انتنبى لنفسه من قصيدة في وصف صورتنا :

ء

أتى الزمان بنوه في شبيته فرهم وأتيناه على الحرم

ء

وحدثني أبو الحسن أحمد بن يوسف بن يعقوب بن إسحق البهلول التنوخي المعروف والده بأبي بكر الازرق الأنبارى قال : قال لى أبى إذا كان يوم القيامة أصعب الايام فكل ما قرب منه من الأيام ودخل في أشراطه كان أصعب . واتفق أيضاً أننى حضرت المجالس بمدينة السلام في سنة ستين وثلثمائة بعد غيتي عنها سنين فوجدتها محيله ممن كانت به عامرة . وبمذاكرته آهلة ناضرة . ولقيت بقايا من نظراء أولئك الاشياخ وجرت المذاكرة فوجدت ما كان فى حفظى من تلك الحكايات قديما قد قل . وما جرى من الأفواه في معناها قد اختل . حتى صار من يحكى كثير مما سمعناه يخلطه بما يحيله ويفسده ورأيت كل حكاية مما أنسيته لو كان باقياً في حفظي لصلح لفنّ من المذاكرة . ونوع من نشوار المحاضرة. فأثبت ما بقى على مما كنت أحفظه قديماً واعتقدت إثبات كل ما أسمعه من هذا الجنس

A

و تلميعه بما يحث على قراءته من شعر لمتأخر من المحدثين . أو مجيد من الكتاب والمتأدبين . أو كلام منشور لرجل من أهل العصر أو رسالة أو كتاب بديع المنى أو حسن النظم والنثر ممن لم يكن في الايدى شعره ولا نثره ولا تكرر نسخ دیوانه . ولا ترددت معانى إحسانه . وما فيه مثل طرى أو حكمة جديدة أو نادرة حديثة أو فائدة قريبة المولد ليعلم أن الزمان قد بقى من القرائح والألباب. في ضروب العلوم والآداب. أكثر مما كان قديماً أو مثله ولكن تقبل أرباب تلك الدول للادب أظهره ونشره وزُهد هؤلاء الأعمة في هذا الأدب غمره وستره . ولهذه الحال ما انطمست المحاسن في هذه الدول وردت أخبار هؤلاء الملوك وخلت التواريخ من عجائب ما يجرى في هذا الوقت لأن ذوى الفضل لا يفنون أعمارهم بتشييد مفاخر غيرهم وانفاق نتائج خواطرهم مع بعدهم من الفائدة وخلوهم عن العائدة . وأكثر الملوك وذوى الأحوال. والرؤساء وأرباب الأموال . لا يجودون عليهم فيجيد هؤلاء لهم نسج الأشعار والخطب وحوك الرسائل والكتب . التي تبقى فيها المآثر . ما أقام الدهر الغابر . فقد بخل هؤلاء وغفل هؤلاء ورضى كل واحد من الفريقين بالتقصير فيما يجده . والنقص فيما يعتمده . وإلا فقد خرج في أعمارنا وما قاربها من السنين من مكنون أسرار العلم . وظهر من دقيق الخواطر والفهم. ما لعله كان معتاصاً على الماضين . و ممتنعاً على كثير من المتقدمين . وجرت في هذه المدة من الحوادث الكبار والوقائع العظام والانقلابات العجيبة . والاتفاقات الغريبة . والحيل الدقيقة . والامور المحكمة الوثيقة . التي

=

لا يوجد مثلها سالفاً . في أضعاف هذه السنين مضاعفاً . ما لو قيد بتأليف الكتب . وحفظ بتصنيف الأشعار فيه والخطب . وخلد على شرحه في تواريخ السنين والحقب . لأوفى على ماسلف وتقدم في علو الرتب . وقد أثبت من هذا أيضاً طرفاً طفيفاً . ونبذاً موجزاً خفيفاً . لثلا تخرج هذه الأخبار عن سبيلها ولا تخلو مع ذلك من فنون لا توجد إلا فيها وليستفيد منها العاقل اللبيب . والفطن الاريب . إذا طرقت سمعه وخالطت فهمه من آداب النفس. ولطافة الذهن والحس . ما يغنيه عن مباشرة الأحوال . و تلقن مثله من أفواه الرجال . ويحنكه في العلم بالمعاش والمعاد . والمعرفة بعواقب الصلاح والفساد . وما يفضى إليه أواخر الأمور . ويساس به كافة الجمهور. ويجتنبه من المكاره حتى لا يتوغل في أمثالها . ولا يتورط بنظائرها وأشكالها . ولا يحتاج معها إلى إنفاق عمره في التجارب . وانتظار ما تكشفه له السنون من العواقب وأوردت ما كتبته مما كان في حفظي سالفاً . مختلطاً بما سمعته آنفاً . من غير أن أجعله أبواباً مبوبة . ولا أصنفه أنواعاً مرتبة . لأن فيها أخباراً تصلح أن يذاكر بكل واحد منها في عدة مكان ) وأكثرها مما لو شغلت نفسى فيه بالنظم والتأليف . والترتيب والتصنيف . لبرد واستثقل وكان إذا وقف قارئه على خبر من أول كل باب فيه . علم أن مثله باقيه . فقل لقراءة جميعه ارتياحه ونشاطه . وضاق فيه توسطه وانبساطه . ولكان ذلك أيضاً يفسد بما في أثنائه من الفضول والأشعار والرسائل والأمثال والفصول . التي إن رتبت على الابواب

(۱) لعله أماكن

وجب أن توصل بما تقدم من أشباهها وتردد في الكتب من أمثالها فينتقض ما شرطناه . ويبطل ما ذكرناه . من أن هذه الاخبار جنس لم يسبق إلى كتبه وانا إنما تلقطناه من الأفواه دون الأوراق ونخرج بذلك

عن القصد والمراد . والفرض المطلوب فى الاستقامة والسداد . وليست الفائدة فيها التنويع ولا المغزى التأليف بل لعل كثيراً مما فيها لا نظير له ولا شكل . وهو وحده جنس وأصل . واختلاطها أطيب في الآذان . وأدخل . وأخف على القلوب من الاذان . وأوصل . وعلى أنى وان كنت أتجنب بجهدى أن أثبت فيها شيئاً قد كتب قبلي أو تنبه على الفائدة في إثباته سواي إلا الشعر فأنه غير داخل فى هذا الأمر فأنى فى الأقل ربما كتبت شيئاً أعلم أنه موجود فى الدفاتر عقيب شيء يوجبه فلانحو إليه.

سی

فلاجل فائدة تحسنه وتحض عليه . واعتماد لترصيع هذه الأخبار . بما يحبها الى أكثر طلاب الآثار . وقد جعلت كل واحد من أجزائها وهو مائة ورقة واحدا قائماً بنفسه . مستغنياً عن الباقى من جنسه . لتخلو فائدته لقارئه دون غيره. ولا يضطر إلى سواه مع حضوره. وإن كان في غيره ضروب أخر من الفوائد لا تعلم إلا منه . وصدرت كل جزء برسالة تدل على جنس الأخبار المورودة (۱) في جميع الأجزاء والغرض فيها والسبب الباعث على جمعها مختصرة لهذا الشرح الطويل وموجزة من جملة هذا الكلام الكثير . وأوردت في كل جزء ما اتفق ايراده مختلطاً مما ربما كان

في الاجزاء الاخر ماهو فى معناه داخل . ومن نوعه وفنه حاصل . ومما

( ١ ) لعله الموردة

« PreviousContinue »