Page images
PDF
EPUB
[merged small][ocr errors][merged small]

قال : فقلت له : كيف فعل ذلك وما كان سببه ؟ فقال : ان رجلا من : أولاد الواثق كان سكن مدينة المنصور فسعى فى طلب الخلافة هو وشيلة استوزره وأخذ له البيعة على أكثر أهل الحضرة من الهاشميين والقضاة والقواد والجيش وأهل بغداد الأحداث وأهل العصبية . وقوى أمره وانتشر خبره وهم بالظهور في المدينة والاعتصام بها حتى اذا أخذ المعتضد

صار الى دار الخلافة . فبلغ المعتضد الخبر على شرحه الا اسم المستخلف فكبس شيلة وأخذه فوجد في داره جرائد بأسماء من بايع. وبلغ الهاشمى الخبر فهرب. وأمر المعتضد بالجرائد فأحرقت ظاهرا لئلا يعلم الجيش بوقوفه عليها فتفسد نياتهم له بما يعتقدون من فساد نيته عليهم. وأخذ يسائل شيلة عن الخير فصدقه عن جميع ما جرى الا اسم الذي يستخلف . فرفق به ليصدقه عنه فلم يفعل. وطال الكلام بينهما فقال له : والله لو جعلتنى کردنا کا ما أخبرت باسمه. فقال المعتضد للفراشين : هاتم أعمدة الخيم الكبار الثقال. وأمر أن يشدّ عليها شداً وثيقاً. وأحضروا فيما عظيما وفرش على الطوابيق بحضرته. وأججوا ناراً وجعل الفراشون يقلبون شيلة على تلك النار وهو مشدود على الاعمدة الى ان مات وانشوى . قال : فأمر المعتضد بهــدم السور المحيط بالمدينة . فهدم منه شئ يسير. واجتمع اليه الهاشميون فقالوا : يا أمير المؤمنين فخرنا وذكرنا وآثارنا ! فأمر بقطع الهدم وصرف حفظة كانوا عليه متوكلين برعيه ورخص فيه وتركه وأهمله وخلى بينه وبين الناس . فما مضت الا سنيات حتى هدم الناس أكثره أولاً فأولا ووسعوا به ما يجاوره من دورهم واستضافوا مكانه اليها حتى ان ذلك اتسع فجعل

وزير المقتدر على كل دار هذه حكمها أجرة العرصة بحسب ذلك. وكان لها ارتفاع كثير . ثم تبع ذلك بسنين خراب المدينة أولا فأولا حتى بلغت الى

ما هي عليه

می

ومن عجيب أخبار قوة النفس أن أخا بابك الخرمي المازيار قال له لما أدخلا على المعتصم : يابابك انك قد عملت مالم يعمله أحد. فاصبر الآن صبراً لم يصبره أحد . فقال له : سترى صبرى . فلما صارا بحضرة المعتصم أمر بقطع أيديهما وأرجلهما بحضرته. فبدئ ببابك فقطعت يمناه فلما جری دمه مسح به وجهه كله حتى لم يبق من حلية وجهه وصورة سحنته شئ. فقال المعتصم. سلوه لم فعل هذا ؟ فسئل فقال: قولوا للخليفة انك أمرت بقطع أربعتى وفى نفسك قتلى . ولا شك أنك لا تكويها وتدع دمى ينزف الى ان تضرب عنق . فخشيت أن يخرج الدم منى فتبقى في وجهي صفرة يقدر لأجلها من حضر أنى قد فزعت من الموت وأنها لذلك لا من خروج الدم. فغطيت وجهى بما مسحته عليه من الدم حتى لا تبين الصفرة . فقال المعتصم : لولا أن أفعاله لا توجب العفو عنه لكان حقيقاً بالاستبقاء لهذا الفضل. وأمر بإمضاء أمره فيه. فقطعت أربعته ثم ضربت عنقه. وجعل الجميع على بطنه وصب عليه النفط وضرب بالنار. وفعل مثل ذلك بأخيه. فما كان فيهما من صاح أو تأوه . وقد حكى أن عافية الباقلانى وخالدا الحذاء رئيسى أصحاب العصبية في زمانهما بايعا أن يحمى لهما باب حديد ويمشيان عليه ففعل ذلك. فلما حصلا فوقه حل أحدهما منزره ثم ضرب يده الى الآخر وضبطه وقال : أنظرني

أتوزر وهما عطفيين (١) أى انتظر حتى أتوزر . وقال فما فارقه حتى شد مئزره

(۲)

وهما فوق الباب المحمى. تم تم مشيه حتى خرج منه وقد غلب بتلك الساعة (٢) وان لم يكن فى الباب الحديد حيلة أو عادة مثلا يكون أسفل القدر كالنار إذا دام الوقود عليها فيأخذها الانسان ساعته على راحته لأن البخار يتصاعد ثم يدعها قبل أن ينعكس البخار إلى أسفلها . وقد شاهدت أنا أبا الأعز

ابن شهاب التيمى بالبصرة فعل ذلك . وإلا فلا أدرى ما هو . وقد أخبرني غير واحد أن القطعة الحديد إذا أدخلت الكور وأحميت حتى تبيض بياضا شديدا فأخذها الانسان فلطعها مرتين أو ثلاثة قبل أن يرجع فيها الحى لم تضر لسانه . وقد شاهدت أنا أبا الحسن على لم ابن محمد بن أحمد التنوخى وقد أدخل إلى فيه غير مرة شمعة فيها رطل وعض عليها وكثر شفتيه لى حتى تبينت اتقاد الشمعة في فيه ساعة ثم أخرجها غير منطفية . وسألته عن علة ذلك فقال : يحتاج إلى حذق في سرعة الادخال حتى لا تحرق الشفتين . فاذا حصلت في داخل الفم لم تضر لآن ما تصاعد من حمى الجوف يغلب على حماها ولا تضر . ومن ظريف عقوبات المعتضد قتله اسمعيل بن بلبل . حدثني أبي : قال أخبرني جماعة من أهل الحضرة يعرفون ويحصلون أن المعتضد أمر باسمعيل بن بلبل فاتخذ له تغار (۴) كبير وملى اسفيداجا حيا وبله ثم جعل بالعجل رأس اسمعيل فيه إلى آخر عنقه وشى من صدره وأمسك حتى جمد الاسفيداج فلم نزل

(۱) يريد عطفيان (۲) كذا بالأصل ولعلها الصناعة ؟ (۳) كلمة فارسية قد استعملها الطبرى ٣ : ٧٥٣ معناها الاجانة

(۱)

روحه تخرج بالضراط إلى أن مات . وأخبرني أيضاً رحمه الله أن المعتضد أمر برجل فسد بالقطن أنفه سدا شديدا وفيه وعيناه وأذناه ومنخراه وذكره وسوءته . ثم كتف وترك فلم يزل ينتفخ ويزيد إلى أن طار قحف رأسه ومات . وحدثني أبو الحسن أحمد بن يوسف بن يعقوب التنوخي قال : قال ابي : كنت مع صاحبي الذي كنت أكتب له بدار اللاى في عسكر الموفق وهو يقاتل صاحب الزنج. فرمى زنجي من أصحاب الخائن يقال له قرطاس الموفق بسهم فأصاب تندوته، وصاح « خذها مني وأنا قرطاس!» فصارت مثلا للرماة إلى الآن . فحمل الموفق صريعاً في حد التلف. ونزع السهم وكان مقطناً فبقى الزج مكانه وجمع وانتفخ وأمد واشرف على الموت واستنجد بذلك اهل عسكر الخائن. وكانوا يصيحون بنا في كل يوم : ملحوه! أى قد مات الموفق فاجعلوه مكسودا (۱) . فأجمع رأى الطب على بطه فلم يمكنهم الموفق من ذلك. فقالوا للمعتضد انه ان لم يبط عمل الى داخل فأتلف فقال : احتالوا عليه وبطوه وأنا أمنعه منكم . فطول أحد الاطباء ظفر إبهامه اليمين وجعل تحته حديدة مبضع وجاء الى الموفق فقال : أيها الامير دعنى أجسه وأنظر كيف هو . فقال لملك تبطه . فأراه يده وقال : كيف أبطه وليس فى يدى جديد ؟ فمكنه منه فجسه وخرقه بالمبضع من أوله الى آخره مستعجلا. فندر الزج وخرج وتبعته مدة عظيمة وقيح. ففزع الموفق في حال البط لمجيئه على غفلة فلكم الطبيب فقلبه عن مكانه . فلما استراح بما خرج (1) كذا بالاصل

[ocr errors][merged small]

عن الموضع ووجد خفة خلع على الطبيب وأجازه . وعولج إلى أن برى وجعل ابو العباس يطلب قرطاساً. وكان إذا رآه في الحرب طرح نفسه لأخذه . فيحاربه قرطاس أشد حرب ويقول له بعجمته : يا بلنباس ( يريد يا أبا العباس ) إن وقعت في يدك قد منى أوتارا . قال فلم يزل المعتضد يجهد نفسه فى أمره حتى أخذه أسيراً وقد وقعت به جراحات فجاء به إلى الموفق فأمر بضرب عنقه . فقال له المعتضد : تهب لى قتله حتى أعمل به ما أريد . فقال : أنت أحق به فخذه فأخذه فقد من أصابعه الخمس أوتارا. قال : فقلت لأبي كيف فعل ذاك ؟ فقال : قلع أظفاره وسلخ جلد اصابع كفه من رؤوسها إلى أكتافه وعبر بها صلبه وكتفيه الى آخر أصابعه الأخرى . وجلد ابن آدم غليظ. فخرج له ذلك فأمر أن تقتل له أوتارا. ففعل وصلب بها قرطاس . ومن طريف حيل اللصوص الواقعة في عهدنا أن أبا القاسم عبيد الله ابن محمد الخفاف حدثني أنه شاهد لصا قد أخذ وتشاهدوا عليه أنه يفش الأقفال في الدور اللطاف التي تخمن على انها لعزب . فاذا دخل حفر في الدار حفرة لطيفة كأنها بئر النرد وطرح فيها جوزات كأن إنساناً كان يلاعبه. وأخرج منديلا فيه مقدار مائتي جوزة فتركه الى جانبها. ثم دار يكور ما في الدار مما يطيق حمله. فان لم يفطن به أحد خرج من الدار وحمل ذلك كله. وإن جاء صاحب الدار ترك عليه قماشه وطلب المقاتلة والخروج . فان كان صاحب الدار جلدا فوائبه ومنعه وهم بأخذه وصاح: اللصوص! واجتمع الجيران أقبل عليه وقال: ما ابردك ! أنا أقامرك بالجوز منذ شهور

« PreviousContinue »