Page images
PDF
EPUB

المستراح فجعل ذلك المال مصبوباً ) في الموضع لا يعرف خبره غيره فلما اشتدت به المطالبة دل عليه فأخرج ما ذهب منه شيء ولا عرف خبره إلا

من جهته

وحدثني أبو الحسين بن عباس أنه سمع جماعة من ثقات الكتاب يقولون إنهم حصلوا ما ارتفعت به مصادرة أبى عبد الله بن الجصاص في أيام المقتدر فكانت ستة آلاف ألف دينار سوى ما قبض من داره وبعد

الذي بقى له من ظاهره .

.

سمعت الأمير أبا محمد جعفر بن ورقاء بن محمد بن ورقاء الشيباني يحدث في سنة تسع وأربعين وثلثمائة قال : اجتزت بابن الجصاص بعد إطلاقه الى داره من المصادرة بأيام وكانت بيننا مودة ومصاهرة فرأيته على روشن داره على دجلة في وقت حار من يوم شديد الحرارة وهو حاف حائر يعدو من أول الروشن إلى آخره فطرحت طيارى إليه وصعدت بغير إذن فلما رآني استحيا وعدا إلى مجلس له فقلت : ونحك مالك ما الذي قد أصابك : فدعا بطست وماء فغسل وجهه ورجليه ووقع ساعة كالمغشى عليه ثم قال : أولا يحق لى أن يذهب عقلى وقد خرج من يدى كذا وأخذ مني كذا ( وجعل يعدد امرا عظيما مما خرج منه ) فمتى اطمع في خلفه ولم لا يذهب عقلى اسفا عليه ؟ فقلت له ياهذا إن نهايات الأموال غير مدركة

(1)

وانما يجب ان تعلم ان النفوس لاعوض لها والعقول والاديان فما سلم لك

ذلك فالفضل معك وإنما تعلق هذا القلق من يخاف الفقر والحاجة إلى (۱) لعله : مصونا (٢) امله : الابدان

الناس او فقد العادة فى مأكول ومشروب وملبوس وما جرى مجرى ذلك او النقصان فى جاه فاصبر حتى اواقفك انه ليس ببغداد اليوم بعد ما خرج عنك ايسر منك من اصحاب الطيالس . فقال : هات . فقلت : اليس دارك هذه التي كانت قبل مصادر تك ولك فيها من الفرش والأثاث ما فيه جمال لك وان لم يكن ذلك الكبر المفرط ؟ فقال : بلى . فقلت : وقد بقى لك عقار بالكرخ وقيمته خمسون ألف دينار فقال : بلى. فقلت : ودار الحور وقيمتها عشرة آلاف دينار . فقال : بلى . فقلت : وعقارك بباب الطاق وقيمته ثلاثون ألف دينار . فقال : بلى . وبستانك الفلاني وضيعتك الفلانية وقيمتها كذا . فقال : بلى. فقلت : ومالك بالبصرة وقيمته مائة الف دينار . فقال : بلى . فجعلت اعدد عليه من عقاراته وضياعه إلى ان بلغت القيمة تسعمائة الف دينار فقلت: واصدقني عما سلم لك من الجوهر والأثاث والقماش والطيب والجوارى والعبيد والدواب وعن قيمة ذلك وقيمة دارك . فأخذ يصدقنى وتقوم واحصى إلى ان بلغت القيمة لذلك ثلثمائة الف دينار . فقلت له : ياهذا من ببغداد اليوم يحتوى ملكه على الف الف دينار ؟ وجاهك عند الناس الجاه الأول وهم يظنون ان الذي بقى لك ضعف هذا فلم تغنم ؟ قال : فسجد الله وحمده وبكى ثم قال : والله ؛ لقد غلب الفكر على حتى نسيت جميع هذا انه لى وقل فى عينى لا ضافتي اياه إلى ما اخذ منى ولو لم تجنى الساعة لزاد الفكر على حتى يبطل عقلى ولكن الله تعالى انقذنى بك وما عزانى احد بأنفع من تعزيتك وما أكلت منذ ثلاث شيئاً فأحب أن تقيم عندى النأكل ونتحدث ونتفرج . فقلت :

(p)

واخبروا به من عجائبها . ويوردون كل فن من تلك الفنون على حسب ما تقتضيه المحادثة . وتبعثه المفاوضة . فاحفظ عليهم ذلك في الحال . وأتخذ به وأستفيده في أحوال . فلما تطاولت السنون ومات المشيخة الذين كانوا مادة هذا الفن ولم يبق من نظرائهم إلا اليسير الذين إن مات ولم يحفظ عنه ما يحكيه مات بموته ما يرويه ووجدت أخلاق ملوكنا ورؤسائنا لا تأتى من الفضل بمثل ما يحتوى عليه تلك الاخبار من النبل وتستنى بما تشاهد من نظيره. عن حفظ ماسلف وتحبيره . بل هي مضادة لما تدل عليه تلك الحكايات من أخلاق المتقدمين وضرائبهم وطبائعهم ومذاهبهم حتى ان من بقى من هؤلاء الشيوخ إذا ذكر ما يحفظه من هذا الجنس بحضرة أرباب الدولة ورؤساء الوقت خاصة ما كان منه متعلقاً بالكرم . ودالاً على حسن الشيم . ومتضمناً ذكر وفور النم . وكبر الهم . وسمـة الأنفس وغضارة الزمان ومكارم الأخلاق كذبوا به ودفعوه وجعلوه في أقسام الباطل واستبعدوه ضعفاً عن إتيان مثله واستعظاماً منهم لصغير ما وصلوا إليه بالاضافة إلى كبير ما احتوى أولئك عليه وقصوراً عن أن تنتج خواطرهم أمثال تلك الفضائل والخصال . أو يتسع صدورهم لفعل ما يقارب تلك المكارم والأفعال . هذا مع أن في زمانهم هذا من العلماء المحتسبين في التعليم . والأدباء المنتصبين للتأديب والتفهيم . وأهل الفضل والبراعة في كل علم وأدب وجد وهزل وصناعة من يتقدم نجودة الخاطر. وحسن الباطن والظاهـر . وشدة الحذق فيما يتعاطاه . والتبريز فيما يعانيه ويتولاه . كثيراً ممن تقدمه في الزمان . وسبقه بالمولد في ذلك الاوان .

ويقتصر منهم على الاكرام دون الأموال . وتضاء الحاجة دون المغارم والاثقال . فما يرفعون به رأساً . ولا ينظرون إليه إلا اختلاساً . لفساد هذا العصر . وتباعد حكمه من ذلك الدهر . وأن موجبات الطباع فيه متغيرة منتقلة . والسنن دارسة متبدلة . والرغبة في العلم معدومة . والهمم باطلة مفقودة . والاشتغال من العامة بالمعاش قاطع . ومن الرؤساء بلذاتهم البهيمية قانع . فنحن حاصلون فيما رونى من الخبر أنه لا يزداد الزمان إلا صعوبة ولا الناس إلا شدة ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق . وما أحسن ما أنشدني أبو الطيب المتنبى لنفسه من قصيدة في وصف صورتنا :

أتى الزمان بنوه في شبيته فسرهم وأتيناه على الحرم

وحدثني أبو الحسن أحمد بن يوسف بن يعقوب بن إسحق البهلول التنوخي المعروف والده بأبي بكر الازرق الأنباري قال : قال لى أبى إذا كان يوم القيامة أصعب الايام فكل ما قرب منه من الأيام ودخل في أشراطه كان أصعب . واتفق أيضاً أنني حضرت المجالس بمدينة السلام في سنة

ستين وثلثمائة بعد غيبتى عنها سنين فوجدتها محيله ممن كانت به عامرة وبمذاكرته آهلة ناضرة . ولقيت بقايا من نظراء أولئك الاشياخ وجرت المذاكرة فوجدت ما كان فى حفظى من تلك الحكايات قديما قد قلّ . وما جرى من الأفواه في معناها قد اختل . حتى صار من يحكى كثيراً مما سمعناه يخلطه بما يحيله ويفسده ورأيت كل حكاية مما أنسيته لو كان باقياً في حفظي لصلح لفن من المذاكرة . ونوع من نشوار المحاضرة. فأثبت ما بقى على مما كنت أحفظه قديماً واعتقدت إنبات كل ما أسمعه من هذا الجنس

[ocr errors]

و تلميعه بما يحث على قراءته من شعر المتأخر من المحدثين . أو مجيد من الكتاب والمتأدبين . أو كلام منثور لرجل من أهل العصر أو رسالة أو كتاب بديع المنى أو حسن النظم والنثر ممن لم يكن في الايدى شعره ولا نثره ولا تكرر نسخ دیوانه . ولا ترددت معانى إحسانه . وما فيه مثل طرى أو حكمة جديدة أو نادرة حديثة أو فائدة قريبة المولد ليعلم أن الزمان قد بقي من القرائح والألباب . في ضروب العلوم والآداب. أكثر مما كان تدعماً أو مثله ولكن تقبل أرباب تلك الدول للادب أظهره ونشره وزُهد هؤلاء الأئمة في هذا الأدب غمره وستره . ولهذه الحال ما انطمست المحاسن فى هذه الدول وردت أخبار هؤلاء الملوك وخلت التواريخ من عجائب ما يجرى في هذا الوقت لأن ذوى الفضل لا يفنون أعمارهم بتشييد مفاخر غيرهم وانفاق نتائج خواطرهم مع بعدهم من الفائدة العائدة . وأكثر الملوك وذوى الأحوال . والرؤساء وأرباب الأموال . لا يجودون عليهم فيجيد هؤلاء لهم نسج الأشعار والخطب وحوك الرسائل والكتب . التي تبقى فيها المآثر . ما أقام الدهر الغابر فقد بخل هؤلاء وغنل هؤلاء ورضى كل واحد من الفريقين بالتقصير فيما يجده . والنقص فيما يعتمده . وإلا فقد خرج في أعمارنا وما قاربها من السنين من مكنون أسرار العلم . وظهر من دقيق الخواطر والفهم . ما لعله كان معتاصاً على الماضين . وممتنعاً على كثير من المتقدمين . وجرت في هذه المدة من الحوادث الكبار والوقائع العظام والانقلابات العجيبة . والاتفاقات الغربية . والحيل الدقيقة . والامور المحكمة الوثيقة . التي

وخلوهم عن

.

« PreviousContinue »