Page images
PDF
EPUB
[blocks in formation]

بمثل هذا الرياء ؟ ولكن الطباع خست حتى الحسد أيضاً . كان الناس قديماً إذا حسدوا رجلا على يساره حرصوا على كسب المال حتى يصيروا مثله وإذا حسدوه على علمه تعلموا حتى يضاهوه وإذا حسدوه على جود بذلوا حتى قيل إنهم أكرم منه وإذا ( عدد أشياء كثيرة ) .... فالآن لمـا ضعفت الطبائع وصغرت النفوس وعجزوا أن يجعلوا أنفسهم مثل من حسدوه في المعنى الذى حسدوه عليه عدلوا إلى تنقص المبرر فان كان فقيرا سعوا على فقره وإن كان عالما خطوه وإن كان جواداً قالوا هذا متاجر

بجوده ونخلوه وإن كان فعّالاً للخير قالوا هذا مراء .

حدثنى القاضي أبو الحسن محمد بن عبد الواحد الهاشمي قال : كان حامد بن العباس من أوسع من رأيناه نفساً وأحسنهم مروءة وأكثرهم نعمة وأشدهم سخاء وتفقداً المروءته وكان ينصب في داره كل يوم عدة موائد ولا يخرج من الدار أحد من الجلة والعامة والحاشية وغيرهم إذا حضر الطعام أو يأكل حتى غلمان الناس فربما يُنصب في داره في يوم

واحد أربعون مائدة وكان يجرى على كل من يجرى عليه الخبز وكانت جراياته كلها الحُوَّارَى . فدخل يوماً إلى دهليزه فرأى فيها قشر باقلاة فأحضر وكيله وقال : ويلك يوكل فى داري الباقلاء ؟ قال : هذا من فعل البوابين . قال : أوليست لهم جرايات لحم ؟ قال : بلى : قال : فسلهم عن السبب . فسألهم فقالوا : لانهنأ بأكل اللحم دون عيالنا فنحن تنفذه إليهم لنأ كاله معهم ليلاً ونجوع بالغدوات فنأكل الباقلاء . فأمر حامد أن يجرى عليهم جراية اميالاتهم تحمل إلى منازلهم وأن يأكلوا

جراياتهم في الدهليز ففعل ذلك فلما كان بعد أيام رأى قشر باقلاء في الدهليز أيضاً فاستشاط وكان حديد سفيه اللسان فشم وكيله وقال : ألم أضف

الجرايات فلم فى دهليزى قشور الباقلاء ؟ فقال : إن الجرايات لما تضاعفت جعلوا الأولة لعيالاتهم في كل يوم وصاروا يجمعون الثانية عند القصاب فاذا خرجوا من النوبة ومضوا نهارا إلى منازلهم في نوبة استراحاتهم فيها أخذوا ذلك مجتمعا من القصاب فتوسعوا به . فقال : فلتكن الجرايات بحالها وليتخذ مائدة فى كل يوم تنصب غدوة قبل نصب موائدنا يطعم عليها هؤلاء ووالله لئن وجدت بعدها في دهليزى قشر باقلاة لأضربنك وجميعهم بالمقارع . ففعل ذلك وكان ما زاد من نفقة الأموال أمراً عظيماً . حدثني القاضي أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن الحرث بن عباس الجوهرى البغدادى وأبو الحسن بن المأمون الهاشمي أنه وجد الحامد في نكبته التي قتل فيها في بئر المستراح له أربعمائة ألف دينار عيناً دل عليها لما اشتدت به المطالبة . وأخبرنى غيرهما أن حامداً كان عمل حجرة وجعل فيها مستراحاً وكان يتقدم إلى وكيله أن يبتاع له الدنانير ويجئ بها وكلما حصل له كيس أخذه تحت ثيابه وقام كأنه يبول فدخل ذلك المستراح فألقى الكيس في البئر وخرج من غير أن يصب فيها ماء ولا يبول ويوهم الفراش أنه فعل ذلك فاذا خرج أقفل المستراح ولم يدخله غيره على رسم مستراحات السراة التي يختصونها وإذا أراد الدخول فتحه له الخادم الموسوم بالوضوء وذلك الخادم أيضا لا يعلم السر في ذلك فلما تكامل ذلك المال قال هذا المستراح ضيق البناء قبيح فسدوه لاغيره فسد البئر وعطل

المستراح فجعل ذلك المال مصبوباً ) في الموضع لا يعرف خبره غيره فلما اشتدت به المطالبة دل عليه فأخرج ما ذهب منه شيء ولاعرف خبره إلا

من جهته

وحدثنى أبو الحسين بن عباس أنه سمع جماعة من ثقات الكتاب يقولون إنهم حصلوا ما ارتفعت به مصادرة أبي عبد الله بن الجصاص في المقتدر فكانت ستة آلاف ألف دينار سوى ما قبض من داره وبعد

الذي بقى له من ظاهره .

سمعت الأمير أبا محمد جعفر بن ورقاء بن محمد بن ورقاء الشيباني يحدث في سنة تسع وأربعين وثلثمائة قال : اجتزت بابن الجصاص بعد إطلاقه الى داره من المصادرة بأيام وكانت بيننا مودة ومصاهرة فرأيته على روشن داره على دجلة في وقت حارّ من يوم شديد الحرارة وهو حاف حائر يعدو من أول الروشن إلى آخره فطرحت طيارى إليه وصعدت بغير إذن فلما رآني استحيا وعدا إلى مجلس له فقلت : ويحك مالك ما الذي قد أصابك ؟ فدعا بطست وماء فغسل وجهه ورجليه ووقع ساعة كالمغشى عليه ثم قال : أولا يحق لى أن يذهب عقلى وقد خرج من يدى كذا وأخذ مني كذا ( وجعل يعدد امرا عظيما مما خرج منه ) فمتى اطمع فى خلفه ولم لا يذهب عقلى اسفا عليه ؟ فقلت له ياهذا إن نهايات الأموال غير مدركة

ء

(5)

وانما يجب ان تعلم ان النفوس لاعوض لها والعقول والاديان فما سلم لك

ذلك فالفضل معك وإنما يقلق هذا القلق من يخاف الفقر والحاجة إلى (۱) اعله : مصونا (٢) لعله : الابدان

الناس او فقد العادة فى مأكول ومشروب وملبوس وما جرى مجرى ذلك او النقصان فى جاه فاصبر حتى اواقفك انه ليس ببغداد اليوم بعد ما خرج عنك ايسر منك من اصحاب الطيالس. فقال : هات . فقلت : اليس دارك هذه التي كانت قبل مصادرتك ولك فيها من الفرش والأثاث ما فيه جمال لك وان لم يكن ذلك الكبر المفرط ؟ فقال : بلى . فقلت : وقد بقى لك عقار بالكرخ وقيمته خمسون ألف دينار فقال : بلى. فقلت : ودار الحور وقيمتها عشرة آلاف دينار . فقال : بلى . فقلت : وعقارك بباب الطاق وقيمته ثلاثون ألف دينار . فقال : بلى . وبستانك الفلاني وضيعتك الفلانية وقيمتها كذا . فقال : بلى. فقلت : ومالك بالبصرة وقيمته مائة الف دينار . فقال : بلى . فجعلت اعدد عليه من عقاراته وضياعه إلى ان بلغت القيمة تسعمائة الف دينار فقلت: واصدقنى عما سلم لك من الجوهر والأثاث والقماش والطيب والجوارى والعبيد والدواب وعن قيمة ذلك وقيمة دارك . فأخذ يصدقنى ويقوم واحصى إلى ان بلغت القيمة لذلك ثلثمائة الف دينار . فقلت له : ياهذا من ببغداد اليوم يحتوى ملكه على الف الف دينار ؟ وجاهك عند الناس الجاه الأول وهم يظنون ان الذي بقى لك ضعف هذا فلم تغتم ؟ قال : فسجد الله وحمده وبكى ثم قال : والله لقد غلب الفكر على حتى نسيت جميع هذا انه لى وقل في عينى لاضافتي اياه إلى ما اخذ منى ولو لم تجئنى الساعة لزاد الفكر على حتى يبطل عقلى ولكن الله تعالى انقذني بك وما عزانى احد بأنفع من تعزيتك وما أكلت منذ ثلاث شيئاً فأحب أن تقيم عندى لنأكل ونتحدث ونتفرج . فقلت :

(۳)

[merged small][ocr errors]

افعل . فأقمت يومى عنده وأكلنا وتحدثنا بقية يومنا . وكنت أنا اجتمعت ببغداد في سنة خمسين وثلثمائة مع أبي على بن أبي عبد الله بن الجصاص فرأيت شيخاً طيباً حسن المحاضرة فسألته عن الحكايات التي تنسب إلى أبيه مثل قوله خلف إمام قد قرأ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فقال اى لعمرى » بدلامن «آمين» ومثل قوله للخاقاني الوزير: أسهرني البارحة صوت كلاب في الحارة على بالى كل كلب مثلى ومثل الوزير . وقوله له وأراد تقبيل رأسه فقال : إن فيه دهنا فلا تفعل . فقال : لو كان فى رأس الوزير خرى لقبلته . ومثل قوله : قمت البارحة في الظلمة إلى الخلاء فما زلت أتلحظ المقعدة حتى وقعت عليها . ومثل قوله وقد وصف مصحفا

بالعتق فقال : هو كروى . وأمثال هذا على كثرته عنه وتواتر الرواية له فقال لي : أما أمر » المقعدة » و « اى لعمرى » وما كان من هذا الجنس فكذب وما كانت فيه سلامة (1) تخرجه الى هذا ولا كان الا من اههى الناس وأخبتهم ولكنه كان يطلق بحضرة الوزراء قريباً مما حكى عنه بسلاسة طبع كانت فيه ولأنه كان يجب أن يصور نفسه عندهم بصورة الأبله ليأمنه الوزراء لكثرة خلواته بالخلفاء فيسلم عليهم . وأنا أحدثك عنه بحديث حدثنا به لتعلم معه أنه كان في غاية الحزم وأن فاعله لا يجوز عليه مثل ماحكى عنه . فقلت : أحب أن تفعل . قال : حدثنا أبى قال إن أبا الحسن بن الفرات لما ولى بعض وزاراته قصدني قصداً قبيحاً لشيء كان فى نفسه على فأنفذ العمال إلى ضياعى فأمر بنقض معاملاتي وبسط لسانه بثلى وتنقصى في مجالسه (١) كناية عن بلادة

« PreviousContinue »